ذكريات سيئة

 كنا نتجمع في غرفة واحدة لكي نموت سويّاً... !!


ملاحظة : جميع الاحداث التي ذكرت في هذه المقالة هي حقيقية وليس فيها اي نوع من المبالغة..


اتذكر تلك الايام..انقضت حوالي 7 سنوات عليها ومازالت محفورة في ذاكرتي تأبى ان تفارقني وربما كانت اسوأ فترة مرّت في حياتي الى هذه اللحظة..

انه العام المشؤوم..2014..العام الذي اذا ذُكِر أتذكر مباشرةً وجههم القبيح ولباسهم الأسود المستفز وافعالهم البعيدة كل البُعِد عن اقوالهم و منهجهم الفِعلي.

كانوا قوماً لم يسلم من اذاهم الانسان او الحيوان بل وحتى الحَجَر لم يسلم من بطشهم. !

تخّيل ان تنام وانت مطمئن مرتاح البال لا يشغل همّك سوى ماهي وجبة العشاء غداً والى اين ستذهب للتسكع مع صديقك المرة القادمة،

ثم تستيقظ في اليوم التالي لتتفاجأ وتجد ان كل شيء قد تغيّر

ايامٌ سوداءٌ سوف تأتي..كـلون راياتهم التي ترفرف في الاُفُق..اناس متكدسون في سيارات ذات الدفع الرباعي يستعرضون بسياراتهم واسلحتهم امام الملأ ومن دون خوف !! يا الهي مالذي يحصل هنا ؟ من اين جاءوا هؤلاء ؟ هل هم يأجوج ومأجوج ؟ هل هذه هي القيامة ؟ لماذا يظهر هؤلاء بهذا الشكل المفزع والمخيف ؟


مرت الايام..اليوم بعد الاخر..كان الوضع جيداً ومستقراً في بادئه..لكن الخدمات باتت تتضائل شيئاً فشيئاً..

حياة المدينة تغيرت بشكل كامل..ارتفت الاسعار بشكل مجنون , اصبحنا وكأننا في السوق السوداء..ابسط الخدمات اصبح الحصول عليها عملية شبه مستحيلة !!

واحدة من الاشياء التي جعلت حياتنا عبارة عن خوف دائم ونشرت الرعب في ارجاء المدينة هو "القصف العشوائي" !!

حين كان يبدأ هذا القصف والذي كان عادة عند منتصف الليل عندها كنا نتجمع في غرفة واحدة..تحسباً منا اذا قُصِفَ منزلنا لكي نموت دفعة واحدة ولا يبقى احد منا يعاني وحده..

نتيجة لهذا القصف العشوائي ذهب العديد من الضحايا المدنيون الذين اكبر هم للحياة لديهم هو توفير القوت لأطفالهم.

ضلت هذه المعاناة مستمرة لفترة ليست بالقصيرة في المدينة التي نقطن فيها ومع ذلك لازلنا متمسكين بالارض نرفض مغادرة منازلنا لأننا نعرف علم اليقين اننا اذا تركناها فلن نجد شيء من اغراضنا في حال عودتنا وان منزلنا سَيُسْرَق عن اخره ( فعلاً هذا ما حصل فيما بعد) وكذلك هو الحال مع اغلب السكان الذي يشاركوننا هذه المنطقة.

(صورة حقيقية للمنزل الذي كنا نسكن فيه بعد رجوعنا)

الا ان جاء ذلك اليوم..28\10..لن انسى ذلك اليوم ماحييت..قطعاً كان هو الاسوأ في حياتي كلها..بل والاكثر احباطاً وتدميراً نفسياً..

ربما قد تتسألون..هل هو فعلاً بهذا السوء ؟ سوف اترككم تقررون بنفسكم.. سأخبركم تفاصيل ذلك اليوم بإختصار.. :

في الليلة التي سبقت ذاك اليوم كعادتها من الليالي..نمنا آملين ان الغد سيكون افضل ( الحِجّة الزائفة التي كنا نوهم بها انفسنا ) لنستيقظ في صباح اليوم التالي على اصوات دوي متتالية..ما هذه الاصوات ؟ هل هناك احد يحفر بالجوار ؟ هل هذه صوت مطرقة كبيرة ؟ ما هذا ؟

ما هي الا بضع دقائق لنكتشف انها قذائف "هاون" بدأت تسقط على المدينة..لا تكاد تمر 10 دقائق حتى نسمع دوي جديد قريب...و لا تعرف اذا كنت انت هو الهدف التالي ام لا..هل هذه هي دقائقك الاخيرة ؟ هل ستبقى حيّاّ لساعة اضافية ؟؟ صِدقاً لا اعلم..

خرجت للشارع لكي القي نظرة فكان حرفياً اكثر مشهد مدمر نفسياً رأيته في حياتي ولا اتمنى لأشد اعدائي ان يروا ما رأيت في تلك اللحظة.. مالذي شاهدته ؟

المشهد كان عبارة عن ناس هَلِعة وخائفة حملت ما استطاعت ان تحمل من فُرُش ومأكل بسياراتهم الصغيرة وجميعهم هاربين من المدينة بإتجاه واحد يبحثون عن مأؤى آمن..على الاقل لعدة ايام اضافية..

في تلك اللحظة ايقنا ان الصَبْرَ قد نَفذ وأنَّ علينا الرحيل نحن ايضاً..وبأسرع وقت..

في ساعتين فقط..استطعنا ما نقدر عليه بسيارتنا من فراش ومأكل وماء يكفينا لعدة ايام ..وانطلقنا تاركين منزلنا وراءنا..المنزل الذي وضعنا كل احلامنا وطموحاتنا ووضعنا الغالي والنفيس فيه..تركناه في لحظة..في غمضة عين..

الحمدلله على كل حال..

مع ذلك كل هذه المعاناة وكل هذا الالم الذي ذقناه والذي حُفِرَ في ذاكرتنا للابد هو جزء صغير جداً وتافه مقارنةً بالظروف التي قاسوها قسم كبير من الناس في الكثير من المناطق الاخرى من هذا البلد والبلدان الاخرى ايضاً..


دمتم بِحُب وسلام..

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تحدي الـ29 يوم / الخاتمة

هل انا المسؤول عن موته ؟

تحدي ال29 يوم / اليوم العاشر