ذكريات سيئة 2

 كنا نتسائل.. هل هذه هي لحظاتنا الأخيرة ؟


كان هذا في صيف 2014..الساعة تدق..انه منتصف الليل ، لا نستطيع النوم على سطح المنزل اليوم...الطيران مكثف هذه الليلة..حتماً هناك نوبة دمار قادمة تُلَوِّحُ بالأُفُق..

مرت قُرابة النصف ساعة..لا شيء حدث.. الطيران لازال مستمراً..

كالعادة في مثل هذه الاوضاع ، نتجمع سوياً في غرفة واحدة كي نموت سويّاً كما ذكرت مسبقاً.

ما هذا الدوي المفزع ؟ انها الضربة الاولى..صوت دويها قريب جداً من منزلنا..ربما نحن الهدف التالي..العائلة جميعها تنطق الشهاداتين بما فيهم انا..يجب ان نكون مستعدين للإنتقال الى الحياة الثانية في اي لحظة،

صوت الدَوية الثانية...الصوت اخف هذه المرة..ربما لن نموت هذه المرة..ثم الدوية الثالثة الصوت ايضاً اخف هذه المرّة.

 مرت حوالي العشر دقائق..عَمَّ الهدوء في الارجاء..ذَهَبَت اصوات المروحيات ولم يتبقى سوى نباح الكلاب الذي ملأ الدنيا تزامناً مع إكتمال البدر ، لا بأس على الاقل فإنَّ الكلاب لن ترمي علينا القذائف من فوق..

 ‏بعد ان هدأت الاوضاع واخيراً سنصعد الى السطح هذه الليلة متأخرين..جاءتني فكرة ليست في وقتها..قررت ان اعمل كوب شوكولا ساخنة لكي استمتع بمنظر إكتمال البدر،

 ‏نعم..كما قلت..شوكولا ساخنة في منتصف هذا اللهيب وهذه الاوضاع الحقيرة ، قد ابدو مجنوناً لوهلة ولكن هل يجب علينا ان نتوقف عن الحياة ؟ 

 ‏وبما ان جهازي لم يفرَغ من الطاقة بعد..قد تبدو فرصة جيدة للإستمتاع بـفيلم مع كوب الشوكولا ومع منظر الحريق امامي.

 ‏اي حريق ؟ اه..نسيت ان اخبركم عنه،

 ‏قرب المدينة التي كنا نقطن فيها كان هناك مصفى كبير جداً للنفط الخام..رُبّما كانَ الأكبر في الشرق الاوسط وقتها..

 ‏على اي حال..بعدما جاءَ اصحاب الرايات السود وحصلت العديد من المعارك والمواجهات العنيفة بينهم وبين حماة الارض فشلوا في احتلاله..ولكن الثَمَن كان باهضاً...باهضاً جداً...فَقَد ذَهَبَ العديد من الشهداء الى حياة ثانية افضل من التي نحن فيها، ونتيجةً لإصابة احدى الخزانات النفطية فيه، اشتعل حريق ضخم..استمر لعدة اسابيع...لم يقدر احد على اطفاءه وقتها لأن المصفى كان محاصراً بالكامل من قِبَل اصحاب الرايات السود حَلَّت عليهم اللعنة وكان من المستحيل ان تصل اي فرقة اطفاء اليه، وبما ان بعد هذا الحريق عن منزلنا لا يتجاوز عشرة كيلومترات فكان منظره واضحاً جداً للعيان وعلى الرغم من منظره المحزن والذي اصبح بمثابة رمزاً للشؤوم الا انه ليلاً كان جاذباً للإنتباه.

(صورة حقيقية للحريق من المنزل الذي كنا نسكن فيه)


(صورة ثانية للحريق في وقت مختلف)

واحدة من الامور الكانت مثيرة حقّاً للإهتمام هي عندما تأتي المروحيات ، كُنّا نستطيع سماع الحديث الذي يدور بين قائد المروحية ومساعديه،

 ‏كيف كنا نستطيع سماعهم وهم معلقين في اعالي السماء؟

 ‏ببساطة كُنّا نستطيع سماعهم عن طريق المذياع مباشرةً وبدون اي تشفير !!

 ‏نعم..كما قُلت كُنّا نسمعهم عن طريق المذياع،

 ‏اتذكر في احدى المرات التي كانوا يحلقون في سماء المدينة باحثين عن شيءٍ ما ليُدَمِّروه، دار هذا الحديث فيما بينهم :

 ‏- سيِّدي..المدينة مظلمة بالكامل..لا يوجد اي شيء لقصفه.

 ‏- ابحث جيداً.

 ‏(صَمْتْ لعدة ثواني)

 ‏-هناك بقعة مضيئة لكني لا ارى فيها شيئاً.

 ‏- حسناً..اطلق على هذه البقعة.

 ‏وبالفعل سمعنا صوت الصاروخ يدوي في الجوار..


لا اعرف شيئاً عن الأحمق المسؤول عن اطلاق هذه القذائف الا شيئاً واحداً وهو بأنه لا يعرف شيئاً عن الإنسانية،

 اما بالنسبة للشخص الوغد المسؤول عن تشفير هذه المكالمات والتي من المفترض ان تكون سريّة لو كنتُ مديره فحتماً سوف اخصم من راتبه فقط ولن افعل شيئاً آخر لأنه مجرد خطأ بسيط لا يستحق العقاب وحتماً لا يوجد شخص يعرف بأنه يمكنه سماعهم عن طريق المذياع البسيط.


لا تخبروا احداً عن سِرِّنا الصغير هذا ، ابقوه داخل البئر.


دُمتُم بِحُبٍّ وسَلام.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تحدي الـ29 يوم / الخاتمة

هل انا المسؤول عن موته ؟

تحدي ال29 يوم / اليوم العاشر